السُّكُونِ، وَشَغْلُ الْجَوْهَرِ بِحَيِّزٍ هُوَ عَيْنُ تَفْرِيغِهِ لِغَيْرِهِ (١) وَعَيْنُ الْقُرْبِ مِنَ الْمَشْرِقِ بِالْفِعْلِ الْوَاحِدِ هُوَ عَيْنُ الْبُعْدِ مِنَ الْمَغْرِبِ، فَطَلَبُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ طَلَبُ الْآخَرِ لِاتِّحَادِ الْمَطْلُوبِ.
وَالْجَوَابُ: عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ أَنَّا لَا نَمْنَعُ مِنْ كَوْنِ الْمُبَاحَاتِ بَلِ الْوَاجِبَاتِ الْمُضَادَّةِ الْمَأْمُورِ بِهَا مَنْهِيًّا عَنْهَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مَانِعَةً مِنْ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، لَا فِي ذَاتِهَا كَمَا نَقُولُ فِي فِعْلِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، فَإِنَّهُ فِي ذَاتِهِ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ مِنْ جِهَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ شَغْلِ مِلْكِ الْغَيْرِ، كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ.
وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا يُهَوَّلُ بِهِ مِنْ خُرُوجِ الْمُبَاحَاتِ عَنْ كَوْنِهَا مُبَاحَةً، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ قِيلَ بِكَوْنِهَا مَنْهِيًّا عَنْهَا فِي ذَوَاتِهَا.
وَأَمَّا إِذَا قِيلَ بِكَوْنِهَا مَنْهِيًّا مَانِعَةٌ مِنْ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَلَا.
قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ قَدْ يَأْمُرُ بِالْفِعْلِ مَنْ هُوَ غَافِلٌ عَنْ أَضْدَادِهِ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْآمِرَ بِالشَّيْءِ عِنْدَ كَوْنِهِ آمِرًا بِهِ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ غَافِلًا عَنْ طَلَبِ تَرْكِ مَا يَمْنَعُ مِنْ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ غَافِلًا عَنْ تَفْصِيلِهِ.
وَنَحْنُ إِنَّمَا نُرِيدُ بِقَوْلِنَا إِنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنِ الْأَضْدَادِ مِنْ جِهَةِ الْجُمْلَةِ لَا مِنْ جِهَةِ التَّفْصِيلِ، قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنِ الْأَضْدَادِ غَيْرَ الْأَمْرِ، قُلْنَا: دَلِيلُهُ مَا سَبَقَ (٢) .
وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مِنَ الدَّلِيلِ، فَالْمُخْتَارُ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ قِسْمُ التَّخَالُفِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُ انْفِكَاكِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَا مِنْ قَبِيلِ الْمُخْتَلِفَاتِ الْمُتَلَازِمَةِ كَمَا فِي الْمُتَضَايِفَاتِ (٣) وَكُلِّ مُتَلَازِمَيْنِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ وَبِهِ
(١) فِيهِ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ، وَشَغْلُ الْحَيِّزُ بِجَوْهَرٍ هُوَ عَيْنُ تَفْرِيغِهِ مِنْ غَيْرِهِ(٢) أَيْ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ طَلَبُ الْفِعْلِ، وَالنَّهْيَ طَلَبُ التَّرْكِ(٣) الْمُخْتَلِفَانِ كُلُّ مَعْنَيَيْنِ بَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِمَا إِلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَالْحُمْرَةِ وَالْمَزَازَةِ فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ فِي ذَاتِهِمَا، وَيُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي حَبِّ الزَّمَانِ مَثَلًا. وَقَدْ يَتَلَازَمَانِ كَمَا فِي الْمُتَضَايِفَيْنِ. وَالْمُتَضَايِفَانِ: كُلُّ نِسْبَتَيْنِ تَوَقَّفَ تَعَقُّلُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْأُخْرَى كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ فَوَصْفُ الْأُبُوَّةِ لَا يُعْقَلُ إِلَّا بِتَعَقُّلِ وَصْفِ الْبُنُوَّةِ وَكَذَا الْعَكْسُ، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتُ الْأَبِ مُتَقَدِّمَةً فِي الْوُجُودِ عَلَى ذَاتِ الِابْنِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى مَا قَامَ بِكُلٍّ مِنْ صِفَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute