قَوْلُهُمْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَ الرَّاوِي " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ " تَعْدِيلٌ لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ، قُلْنَا دَلِيلُهُ مَا سَبَقَ.
قَوْلُهُمْ: إِنَّ الرَّاوِيَ قَدْ يَرْوِي عَمَّنْ لَوْ سُئِلَ عَنْهُ لَجَرَّحَهُ أَوْ عَدَّلَهُ، قُلْنَا: ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا إِذَا كَانَ قَدْ عَيَّنَ الرَّاوِي، وَوَكَلَ النَّظَرَ فِيهِ إِلَى الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَمْ يَجْزِمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَذَا، بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ قَالَ قَالَ فُلَانٌ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَذَا، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يُعَيِّنْ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجْزِمُ بِقَوْلِهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَقَدْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ عَدَالَةَ الرَّاوِي عَلَى مَا سَبَقَ (١) .
وَأَمَّا إِرْسَالُ الشَّهَادَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ قَبُولِهَا عَدَمُ قَبُولِ الْإِرْسَالِ فِي الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَدِ اعْتُبِرَ فِيهَا مِنَ الِاحْتِيَاطِ مَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ.
قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْجَزْمَ مَعَ تَجْوِيزِ كَذِبِ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ كَذِبٌ، قُلْنَا: إِنَّمَا يَكُونُ كَذِبًا، إِنْ لَوْ ظُنَّ أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ كَاذِبٌ، وَأَمَّا إِذَا قَالَ ذَلِكَ مَعَ ظَنِّ الصِّدْقِ، فَلَا يَكُونُ كَاذِبًا، وَإِنِ احْتَمَلَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ كَاذِبًا، كَمَا لَوْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ الْعَنْعَنَةِ.
قَوْلُهُمْ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْإِرْسَالَ مِنَ الرَّاوِي تَعْدِيلٌ لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ، لَكِنَّهُ تَعْدِيلٌ مُطْلَقٌ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مُوجِبَةً لِلْعَمَلِ بِهِ عَلَى الْغَيْرِ، قُلْنَا: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّعْدِيلَ الْمُطْلَقَ دُونَ تَعْيِينٍ سَبَبُهُ كَافٍ فِيمَا تَقَدَّمَ (٢) .
قَوْلُهُمْ لَعَلَّهُ: اعْتَقَدَهُ عَدْلًا وَلَوْ عَيَّنَهُ لَعَرَفْنَا فِيهِ فِسْقًا لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُعَدِّلُ، قُلْنَا: وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُحْتَمَلًا، غَيْرَ أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُهُ (٣) وَلَا سِيَّمَا مَعَ تَعْدِيلِ الْعَدْلِ الْعَالِمِ بِأَحْوَالِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَعَدَمِ الظَّفَرِ بِمَا يُوجِبُ الْجَرْحَ.
وَأَمَّا اعْتِبَارُ الرِّوَايَةِ بِالشَّهَادَةِ، فَقَدْ عُرِفَ وَجْهُ الْفَارِقِ فِيهِمَا، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمُعَارَضَةِ الْأُولَى، فَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ يَلْزَمُ مِنَ الْجَهْلِ بِعَيْنِ الرَّاوِي، الْجَهْلُ بِصِفَتِهِ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مِمَّا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ الْإِرْسَالَ يَدُلُّ عَلَى تَعْدِيلِهِ مِنْ جِهَةِ الْجُمْلَةِ، وَإِنْ جُهِلَتْ عَيْنُهُ
(١) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ تَعْلِيقًا(٢) هَذَا قَدْ يُسَلِّمُ إِنْ كَانَ الرَّاوِي مُعَيَّنًا قَدْ زَالَتْ عَنْهُ جَهَالَةُ الْعَيْنِ أَمَّا إِنْ كَانَ مُبْهَمًا فَلَا كَمَا تَقَدَّمَ(٣) لَيْسَ بِالظَّاهِرِ، بَلِ الِاحْتِمَالَانِ عَلَى السَّوَاءِ، وَأَمَّا عَدَمُ الظَّفَرِ بِالْجَرْحِ فَقَدْ يَكُونُ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الرَّاوِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute