فَإِنْ قِيلَ: دَلِيلُ امْتِنَاعِهِ النَّصُّ وَالْمَعْقُولُ.
أَمَّا النَّصُّ: فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ، وَحَتَّى يَظْهَرَ الدَّجَّالُ» ". (١) وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: " «وَاشَوْقَاهْ إِلَى إِخْوَانِي! ! قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ فَقَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي، إِخْوَانِي قَوْمٌ يَأْتُونَ بَعْدِي يَهْرُبُونَ بِدِينِهِمْ مِنْ شَاهِقٍ إِلَى شَاهِقٍ، وَيَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ» ". (٢) وَأَيْضًا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ» " (٣) وَأَحَقُّ الْأُمَمِ بِالْوِرَاثَةِ هَذِهِ الْأُمَّةُ، وَأَحَقُّ الْأَنْبِيَاءِ بِإِرْثِ الْعِلْمِ عَنْهُ نَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ التَّفَقُّهَ فِي الدِّينِ وَالِاجْتِهَادَ فِيهِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ بِحَيْثُ إِذَا اتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى تَرْكِهِ أَثِمُوا، فَلَوْ جَازَ خُلُوُّ الْعَصْرِ عَمَّنْ يَقُومُ بِهِ لَزِمَ مِنْهُ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ عَلَى الْخَطَأِ وَالضَّلَالَةِ، وَهُوَ مُمْتَنَعٌ لِمَا سَبَقَ. (٤) الثَّانِي: أَنَّ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ الِاجْتِهَادُ، فَلَوْ خَلَا الْعَصْرُ عَنْ مُجْتَهِدٍ يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ إِلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ أَفْضَى إِلَى تَعْطِيلِ الشَّرِيعَةِ وَانْدِرَاسِ الْأَحْكَامِ، وَذَلِكَ مُمْتَنَعٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ عُمُومِ مَا سَبَقَ مِنَ النُّصُوصِ.
(١) أَصْلُ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ثَوْبَانَ، وَعِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ - انْظُرْ كِتَابَ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَعَ فَتْحِ الْبَارِي لِابْنِ حَجَرٍ، وَالْجُزْءَ السَّابِعُ مِنْ مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ.(٢) فِي مَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَدِدْتُ أَنِّي رَأَيْتُ إِخْوَانِي، قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانِي الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ.(٣) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ ص ١٦٧ ج٤.(٤) أَيْ: لِمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْإِجْمَاعِ مِنْ عِصْمَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِيمَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute