وقولُ شيخِ الإسلامِ -رحمه الله-: «فَيُضرِبُ بِمرزَبَّةٍ مِنْ حديدٍ؛ فيصيحَ صحيةً يسمعهَا كُلُّ شيءٍ إِلَّا الإنسان، وَلَو سَمِعَها لصعقَ» - يُشير إلى حديث أنس -رضي الله عنه-، وفيه:«وأمَّا المُنافق والكافر فيُقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنتُ أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ، ويُضرب بمطارقَ من حديد ضربةً؛ فيَصِيحُ صَيحةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيرَ الثَّقَلينِ»(٢)، والثَّقلان: هُمْ الإنسُ والجنُّ.
قالَ ابنُ عُثَيمين -رحمه الله-: «فيُضرب»: يَعني الذِي لم يُجِب، سواء كانَ الكافرَ أو المنافقَ، والضارب لَهُ المَلَكَانِ اللذانِ يَسألانِهِ.
والمرزبَّةُ: هِيَ مِطرقةٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَقَدْ وَرَدَ فِي بعضِ الرواياتِ: أَنَّهُ لَوِ اجتَمَعَ عَلَيهَا أَهلُ مِنى مَا أَقَلُّوها، فَإِذَا ضُرِب يَصيح صيحةً يَسمعها كلُّ شيء إلا الإنسان، أي: صِياحًا مَسموعًا يَسمعه كلُّ شيء يكون حوله مِمَّا يسمع صوته، وليس كلُّ شيء في أقطار الدُّنيا يَسمعه، وأحيانًا يتأثر به ما يسمعه كما مَرَّ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِأَقْبُر للمُشركين على بَغْلَتِه، فَحَادت به حتى كادت تُلقيه؛ لأنَّها سَمِعت أصواتَهم يُعَذَّبون.
قوله:«إلا الإنسان»، وقد سبق أنَّ في الحديث إلا الثَّقلين. يعني: أنه لا يَسمع هذا الصِّياح، وذلك لحكمٍ عظيمة منها:
أولًا: ما أشار إليه النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بقوله:«لَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ عَذَابَ القَبْرِ»(٣).
(١) انظر: «شرح الواسطِيَّة» (ص ٤٨٠ - ٤٨٢). (٢) أخرجه البخاري (١٣٧٤) من حديث أنس ?. (٣) أخرجه مسلم (٢٨٦٨) من حديث أنس ?.